نسب محمد علوي المالكي
القضية الأخرى: قد تكون قضية جزئيَّة، أو فرعيَّة، لكنَّها مهمَّة من ناحية أخرى، وهى قضية نسب هذا الرجل!
تقولون: إنَّه ما كان ينبغي للشيخ ابن منيع أن يشكك في نسب الرجل!
أقول لكم أنتم تعرفون الوضع عندنا هنا في المملكة وتعرفون الأشراف المقيمين عندنا في الحجاز وتعرفون كم مِن الأُسَر يتبرأ منها الأشراف الموجودون حاليّاً في مكة -يتبرءون مِن أُسَرٍ كثيرةٍ- ويقولون: إنَّ هذه الأُسَر تدَّعي النَّسب لآل البيت وليست منَّا! إمَّا أنَّهم ليس عندهم شجرة، أو أنَّ شجرتهم مكذوبة.
وتعرفون ما فعله العبيديون القرامطة في بلاد المغرب مِن ادعائهم النَّسب الشريف، وهم ليسوا منه، فهذه القضية -يا أخي- ليست قضية قذف كما يزعم هؤلاء المغفلون، يقولون: إنه قاذف!!
إذا جاءنا رجل مِن الجنس القوقازي، أو الجنس الصيني، أو من أي بلدٍ، وادَّعى أنَّه مِن أهل البيت؛ فنحن -على كلامه- أمام خيارين: إما أن نقول: نعم، هذا مِن آل بيت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإما أن نقول: لا، فيقولون: أنتم قذفتموه.
لا -يا أخي- النسب هذا علمٌ معروفٌ، وفى علم النَّسب يقال: هذه القبيلة تنتسب إلى كذا، ولا تنتسب إلى كذا، وأخطأ من نسبها إلى كذا، أو ادِّعاؤه أنَّ فلاناً مِن قبيلة كذا ليس صحيحاً! وإنما هو من قبيلة كذا.
فهم الآن لم يقذفوا أُمَّ رجل معين بأنَّها -والعياذ بالله- زنت! ليس هذا هو القذف، إنما هذا تصحيحٌ للنَّسب، وتطهير لنفس النَّسب الشريف، وإلا لادَّعى كلُّ مدَّعٍ ما شاء، والنَّسب هذا يترتب عليه إرث ويترتب عليه أحكامٌ أخرى مثل -كما تعلم-: أنَّ آل البيت تحرُم عليهم الزكاة، ولهم الخمس، ولهم أحكام كثيرة تترتب وتتوقف على ثبوت ذلك، فكون الإنسان يتأكد منه هذا لا يعني القدح، ولا يعني الطعن، وكون الإنسان يشكِّك فيمن هو أهلٌ لأن يُشكَّك في نسبه؛ أنا أقول لك بصريح العبارة: إنَّ الشيخ ابن منيع ربما ليس لديه الأدلَّة الكافية، أو القراءة الكافية عن بعضهم، لكن أنا أقول: إنَّه على حقٍّ في التشكيك في نسب المالكي، بدليل:
أولاً:
هناك أقرباء لـمحمد علوي مالكي موجودون الآن في مكة، وهم -مِن فضل الله- معتزلون لشركياته، وضلالاته، وهؤلاء يقولون: نحن نعرف أنَّ جَدَّنا مِن المغرب، وقدِم إلى مكة.
أمَّا قضية النَّسب؛ فهذا أمر يعلمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهم غير متأكدين، ولا يجزمون في ذلك، هؤلاء مِن نفس أسرته يجمعهم وإياه جَدٌّ واحدٌ.
ثانياً:
عندنا زعماء التصوف ننظر إلى تاريخهم. كمثال: هاشم الرفاعي -الذي ردَّ على الشيخ ابن منيع- يسمِّي نفسه: يوسف السيد هاشم الرفاعي، ويذكر في كتابه استدلالات من كتاب: السيد أحمد الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية وأحمد الرفاعي هذا يقول عنه الشعراني في الطبقات الكبرى -وهو أكبر طبقات المتصوفة، ومِن أوثق مراجعهم- يقول في ترجمته:
"ومنهم: الشيخ أحمد بن أبي الحسين الرفاعي رضي الله تعالى عنه، منسوبٌ إلى بني رفاعة -قبيلة من العرب- وسكن أم عبيدة بأرض البطائح إلى أن مات بها رحمه الله".
إذا نظرنا إلى رفاعة القبيلة المعروفة عندنا الآن في الحجاز؛ هذه القبيلة ليست من قريش أصلاً، فكيف يكون الرفاعي قرشياً؟!
فضلاً عن أن يكون مِن آل البيت؟
لو أنَّ رجلاً مِن أقرب النَّاس إلى آل البيت كرجل من بني أميَّة لا يجوز له أن يقول: أنا مِن آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بمعنى أنَّه من ذرية الحسن والحسين، أو غيرهما، وإن كان من نفس قريش، ومِن أسرةٍ قريبةٍ مِن آل البيت، فكيف يجوز لرجل مِن رفاعة؟
بل الرفاعي لم يدَّع -فيما أذكر- ذلك وهذا الشعراني يقول: إن رفاعة قبيلة من العرب منسوب إليها هذا الرجل.
أيضاً: ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمة أحمد الرفاعي: إنَّه منسوب إلى رفاعة قبيلة مِن العرب.
هذا الرجل يدَّعي له بعض الصوفية أنَّه مِن آل البيت ويعملون له شجرة، ومنهم: ابن الملقن -مثلاً- في طبقات الأولياء صفحة [93]، وكذلك أبو الهدى الصيادي أحد الرفاعية الموجودين في هذا العصر، ألَّف كتاباً وقال فيه: إنَّ الرجل مِن آل البيت، ويعملون له شجرة، ويصرُّون على نسبته إليهم، ويضعون أمام اسمه كلمة [السيِّد] أو [سيدي]، فإذاً نحن في الحقيقة من حقنا أن نشك؛ لأن هناك سوابق.
ومثله كذلك الشاذلي: فـالشاذلية -الآن- يدَّعون ما تدَّعيه الرفاعية أنَّ الشاذلي مِن آل البيت! بينما -مثلاً- ابن الملقن هذا نفسه الذي ذكر شجرة نسب الرفاعي، يقول في ترجمة الشاذلي " اسمه: علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف أبو الحسن الهذلي الشاذلي "
يقول: وقد انتسب في بعض كتبه إلى الحسن بن علي بن أبى طالب.
فهذا مِن هذيل، وهذا من رفاعة، وكلٌّ منهم يدَّعي أنَّه مِن ذرية الحسين أو الحسن أبناء علي بن أبي طالب فكيف يُصدَّق هذا؟!
ويقول ابن الملقن: " إنَّ الشاذلي ذكر نسبه، ثم وصَّل ذكر هذا النَّسب إلى علي بن أبي طالب، قال ابن الملقن وتُوقِّف فيه " أي: لا نستطيع أنْ نجزم بأنَّ الشاذلي أيضاً مِن ذرية الحسن، وإنَّما هو مِن هذيل، فإذا كان هذا مِن رفاعة، وهذا مِن هذيل، فأين هاتان مِن قريش، فضلاً عن بني هاشم، فضلاً عن الحسن والحسين رضي الله عنهما؟
فهذا يدل على أنَّ للعبيديين خلفاً كثيراً، وأنَّ كثيراً مِن الملايين التي تنتسب إلى آل البيت في إيران، وفي المغرب، وفي حضرموت، وفي بلاد كثيرة، كثيرٌ منهم: نسبه غير صحيح، بل قد ظهر حديثاً في مكة كتابٌ -طبع هذه السنَة- عن الأشراف، وأنسابهم، وكما سمعتُ أنَّه مُنع؛ لأنَّه اعترَضَ عليه كثيرٌ مِن النَّاس.
والأشراف كما قلنا: إنهم يتبرءون مِن كثيرٍ مِن الأُسر، ومِن كثيرٍ مِن العائلات.
فعلى كل حال: ما يتعلق بأنَّ فلاناً نسبه صحيح، أو غير صحيح؛ ليس مستوجباً للقذف كما يفتري هؤلاء الدجالون، وإلاَّ لكان ابن الملقن نفسه قاذفاً، وهو مِن أئمتهم، وكَتب في طبقاتهم، ولكان الشعراني أول مَن قذف؛ لأنَّه يقول: '' إن أحمد الرفاعي من بني رفاعة، القبيلة المعروفة، وليس مِن آل البيت ''.
فليكن عندنا معلوماً أن الصوفية يتسترون بالنسب الشريف، وأنَّ هذه دعوى استفادوها من الشيعة، بل سنعرض -إن شاء الله عندما نتكلم عن نشأة التصوف- أن أصل التصوف هو التشيع، وأن أول ما وجد التصوف كان في صفوف الشيعة، ولذلك نجد الصلة بين التصوف وبين التشيع قويةً جدّاً، ونجد أنَّ كثيراً مِن الضلالات والخرافات مشتركة بين الطائفتين، خرافات مشتركة بالفعل، ويجمع الطائفتين دعوى الغلو، هؤلاء غَلَوا في علي، وهؤلاء غَلَوا في الرسول محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.